كراهية الاختلاف بين الشعوب لا يعبر عن الشعوب
الخلاف لا يفسد للود قضية، ولكن يحولها قضية !

الكثير من الشعوب تجد اختلافات كثيرة في مفاهيمها وسلوكياتها واعمالها وتحركاتها، دون الشعور ان ذلك جزءا من طبيعتها ، ودون معرفة نفسها بشكل جيد، ولذلك يلجئون الى انتقاد بعضهم البعض، والسخرية من الاخرين، وتوجيه الاتهامات لتصرفات الافراد والجماعات، وعدم تقبل بعض الشعوب لثقافات مختلفة او افراد منفردة السلوك.
جميع الكائنات الحية بما فيها الانسان، يمتلك تركيبة خلقية منفرده في تكويناته الجسدية عن غيره، ومع اضافة بعض الظروف التي يعيشها في محيطه وتأثره بها، بالاضافة الى كسب المعرفة من القراءة والاطلاع ونوعية المعلومات التي تصله من خلال وسائل الاعلام، يكتسب نمط معين من القناعات تنعكس على تفكيره وسلوكياته وتعاملاته.
وهذا ما يجعل البشر مختلفين في كثير من المفاهيم، ويعتبرون ان من يخالفهم الرأي او الفكر او المفهوم او السلوك، لا يمثلهم او لا ينتمي اليهم، ولذلك يواجهون نمطين من ردة الفعل المعاكسة، اما اعتبارهم خصوم تحت اي مبرر، او قادة مؤثرين بمسميات متعددة، ثم ينتقل الى المرحلة الاخرى بعد اتخاذ القرار في تصنيف المختلف عنه، هو ما يسمى (القبول او الرفض) وذلك اني اتخذت قرار مسبق ان هذا الاختلاف غير مرغوب به فاتخذه (خصم) وبناء على ذلك اما التخلص منه باي وسيلة، فابداء بالتحريض على من يتبناه، او اقود حملة لمحاربته، او يجب ان اتقبل الاختلاف واتعايش معاه، واسمح له باخذ مساحته الخاص التي يحتاج اليها ليعيش بسلام، وفي هذه الحالة سوف يصبح مؤثر في المجتمع ويوسع دائرته المحيطة.
هذه الاختلافات موجودة في جميع الكائنات في الكون، ولكنها بمراحل مختلفه، واساليب وانماط متباعدة، فقد شعر الانسان ان الاختلاف يولد الابداع والطموح ويخلق بيئة تنافسية مزدهرة، فرسخ على تبنيها وبداء يعلوا شانه ويتقدم حضارياً، بينما شعوب اخرى وجدت الاختلاف وسيلة لاشعال الحروب، وتصفية الحسابات، واقصاء الخصوم، فاستفاد منها في توسعة نفوذه السلطوي، واستخدمته في السياسة والدين لتجيش الشعوب.
في عصرنا الحاضر اصبحت الاختلافات جزء جوهرياً في حياتنا اليومية، واصبحت الشعوب مقسمة بين من يجب ان يتعايش معها ويعتبرها جزءاً من الحضارات وتقدم الشعوب، وطرف اخر يعتبرها وسيلة للانتقام من الخصوم وتجيش الشعوب نحو الحروب الاهلية وتوسعة النفوذ السياسي واخضاع الخصوم لطموحاته الايديلوجية.
ومع زيادة انتشار السوشل ميديا وتخطى حجب وسائل الاعلام على اصحاب النفوذ، اصبح للاختلافات وجوه متعددة ومتغيرة ولكنها مازالت تخضع لاصحاب النفوذ في تسليط الضوء على ما يريدون للشعوب الانتباه اليها.
على سبيل المثال لا الحصر، عندما تشتعل الخلافات بين امريكا وايران، تبداء وسائل الاعلام ابراز الخلافات السنية الشيعية في محور السعودية وايران او الخليج وايران، وتسخين الانظمة والشعوب والجماعات المسلحة في المحيط، بينما تصبح خاملة عند اول ضباب لاتفاق سري، وتتحول الشعوب الى مفاهيم التعايش والحب والسلام بين القطبين السني والشيعي.
هذا على سبيل اقليم الشرق الاوسط، اما عالمياً فيمكن استخدام حقوق الانسان والمثلية وحقوق المراة وحتى حقوق الحيوانات كخطوات مبدئية لتجييش الشعوب على عدم تقبل الاختلافات، رغم ان اروبا على وجه الخصوص تجاوزت هذه الخلافات وقررت بعد الحرب الثانية ان تختار التعايش وتقبل الاخر وتستفيد من الاختلافات في بناء حضارة عظيمة اصبحت مثالاً يحتذى به عالمياً خلال اقل من قرنين من الزمن، واصبح اعدائها يجدوا صعوبة في اشعال فتنة داخلها او تجيش الشعوب، فحيناً يستخدمون اللاجئيين، وحيناً اخر يستخدمون الاقتصاد المالي، بالرغم من وجود الكثير من العيوب التي مازالت عالقة ولكنها في طريقها نحو اصلاح (كل شيئ تحت الدراسة والبحث).
الاكثر دهشة ان الكثير من العالم يعتقد بان الشعوب النامية مثل الوطن العربي لا يمكن ان تتعايش مع الاختلافات، وان الاختلاف تشكل عائقاً امامها وتحدياً يصعب تقبله، بخلاف ذلك الشعوب العربية وانظمتها قد تجاوزت ذلك قبل عشرات السنين، واصبحت جاهزة اليوم اكثر من امس على التعايش والسلام، وان ما يظهر على وسائل الاعلام ليس معياراً لأراء الشعوب.
الشعوب العربية وانظمتها وقياداتها تسير نحو تقدم حضاري مزدهر وسريع، وربما تسبق اروبا في ذلك يوماً ما، وذلك انها كل حقبة تزداد وعياً اكثر ، بل اصبحت تتقبل النقد على نفسها علناً، وتمارس التعايش بأشكال مختلفة خلف عدسات الكاميرا، رغم ضخامة الجهل وسوء التعليم وضعف الاقتصاد.
ومطلوب منها ان تلتحق بالعالم المتقدم ثقافياً بينما اقتصادها منهار، والفساد الاداري والسياسي في قمته، وبالرغم من ذلك الشعوب تحاول الوصول الى اجمل صورها الاخلاقية، وتتقدم في تغييرات الانظمة، وتقاوم الجهل بشتى الطرق.
ما يظهر على التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام من كراهية للاختلاف، تقوده انظمة سياسية كان لديها نفوذ سياسي تستخدم الدين والمال والاعلام لاخضاع خصومها من اجل استرجاع مكاسب سياسية، خسرتها سابقاً في مصر واليمن وسوريا وتركيا وليبيا وتونس، بالرغم انها قدمت الكثير من الجهود للانظمة من اجل الوصول الى هذه النقطة، لكنها فقدت السيطرة بعد ذلك، وفشلت في الاستمرار، وعاجزة على الاعتراف، فاضطرت لاستخدام تجيش الشعوب على عدم تقبل الاختلافات.
الشعوب مستمرة في التقدم الحضاري وتقبل الاختلاف، والانطلاق نحو افاق جديدة مشرقة، ومرحبة بكل المبادرات العالمية، وخلال سنوات قليلة قد تصبح الشعوب العربية جزءاً من عالمنا المتقدم.
لانهم اصبحت تتقبل الاختلاف وتعتبره بداية انطلاق الشعوب والافراد، وتفخر العائلات باختلاف وجهات النظر بين ابنائها، وتبني عليها افاق مستقبلها وطموح احلامها.